وعظم بين الشعوب الارية اذ كانت بعض الشعوب الآرية قد قدمت الى الشرق وانضمت الى اقربائهم الميديين هذا الى جانب الخضوع الفارسي الى السلطان الميدي (حيث كانت الاقوام الفارسية البدائية قد نزحت الى المنطقة في عصور متاخرة وسكنت في الصحارى والسهول الايرانية وكان الميديون يسمونهم بالبارس ويعني الحد أو الطرف أو الجانب بالميدية )
كل هذه الوسائل مجتمعة جعلت الميديين يتحرشون بالآشوريين فامتنعوا عن دفع الجزية (الاتاوة)التي كانوا يدفعونها منذ القدم مضطرين للاشوريين ولكن الاشوريين قد تملكتهم ثورة الغضب على الميديين فركبوا رؤوسهم وما لبث ان اندلعت نيران الحرب بين الطرفين فأسفرت عن انكسار جيش فرائورت ومصرعه مع جل من كان يصحبه من الامراءعام (626)ق .م.
2-مرحلة القوة:
خلف فرائورت ابنه الصغير كياكسار (كي كاوس- كي خسرو) الذي يعد من أشهر ملوك ميديا حيث تسلم العرش وتاج ميديا منذ الصغر وكان قائدا محنكا وملكا حازما إذ وجه أول اهتمامه إلى الجيش فأعاد تنظيمه حتى أضحى من أحسن جيوش العالم , لأنه رأى أن الانتصار على الجيش الآشوري المنظم لا يكون على يد جيش من أفراد القبائل والعشائر متباينة العادات و مختلفة الطباع ولهذا أدخل اصلاحات هامة على أنظمته وفصل بين الخيالة والمشاة وسلح الاخيرين بالقوس و النشاب و السيف , وأحدث خيالة سريعة العدو استطاعت فيما بعد ان تقهر الفرسان الآشوريين الذي انعقد عليهم لواء الشهرة في التاريخ .
نعود من جديد إلى أبرز أعمال كياكسار خلال فترة حكمه التي استمرت أربعين عاما (625- 585) قبل الميلاد , فبمجرد أن فرغ كياكسار من إعداد جيشه وتسليحه على أحدث النظم وبعد أن نجح في عقد محالفة مع ملك بابل (نبوبولسر) جهزا جبهة متراصة ممتدة ضد العدو المشترك (آشور) , وفي طريقه صوب نينوى العاصمة الآشورية استولى على مدينة (ناربيخري) ثم يمم شطر الجنوب حسب خطة موضوعة ليتصل بالجيش البابلي وفي طريقه استولى أيضا على مدينة آشور (الشرقات حاليا) عاصمة آشور القديمة وقد دمرها تدميرا , وما أن تم الاستيلاء عليها وفراغ الجيش الميدي من تدميرها حتى كان ملك بابل قد وصل , حيث عقد مع كياكسار معاهدة جديدة عينت فيها الحدود المستقبلية بين دولتيهما وتوثيقا للروابط السياسية بين الدولتين رؤى تعزيزها وتوكيدها بمصاهرة كريمة تمت بين الاسرتين المالكتين فتزوجت ابنة كياكسار (ميداس- اميتيدا) من( نبوخذ نصر - بخت نصر) والذي اصبح فيما بعد ملك بابل حيث تم تصميم حدائق بابل المعلقة لأجلها وذلك بتوجيه من زوجها (بعض الروايات تقول بأن ميداس كانت حفيدة كياكسار وليست ابنته) .
لم يجد اليأس مكانا له عند كياكسار فلم ييأس في الإستيلاء على نينوى مهما كلفه الأمر ورغم إنها امتنعت عليه في هجومه الأول عليها إلا انه أعاد الكرة وشن هجوما عاتيا ثم ألقى عليها حصارا منيعا ولما رأى ببعد نظره أن الإستيلاء على المدينة مازال صعب المنال أخذ في تكوين جبهة قوية يستطيع بها قهرها , فبدأ يساوم بعض القبائل السيتية التي كانت تشد ازر الآشوريين وتقف إلى جانبها حيث نجح كياكسار في اغرائهم بنهب وسلب الغنائم وما سيعود عليهم من هذه الاسلاب والغنائم فتألبوا على الآشوريين وهرعوا إلى كياكسار معلنيين انضمامهم إلى جانبه , كما انضم اليه جيش بابل تنفيذا للاتفاقية المبرمة بينهما , وما إن أهل شهر مايو(أيار) حتى بدأت نينوى تتعرض لأعنف هجوم شنه عليها الحلفاء ورغم أنها امتنعت على هذا الجيش العرمرم في هجومين متتاليين إلا أنها لم تستطع أن تحافظ على صمودها وتظل على امتناعها أمام الضربات المتكررة والهجمات المتعاقبة واضطرت مرغمة إلى التسليم بعد أن دك الحلفاء حصونها وهكذا اُسقطت الامبراطورية الآشورية في ايدي الحلفاء شهر (آب) عام 612 قبل الميلاد , وقد هزتهم نشوة الفرح لإستيلائهم على هذه المدينة العظيمة ذات الشهرة الخالدة والمجد التليد (وكانت هذه السنة بداية التقويم الكردي) .
الملك الآشوري (شن شارايش كوم) ابن (آشور بنيبال) لم يطق صبرا على فقدان قلب مملكته النابض فألقى بنفسه في نار قصره وأحرق نفسه ومن معه من خدم وحشم .
وبعد أن فرغ جيش الحلفاء من نهب المدينة وتدميرها أخذ الجيش البابلي يطارد قسماً من الآشوريين الهاربين من المدينة ويتعقب آثارهم حتى لجأ جماعة منهم بقيادة ( آشور وباليت ) إلى حران ( أورفا ) حيث وضعوا هناك أساس حكومة جديدة لكن كياكسار أبى عليهم الإستقرار في أي مكان وآلى على نفسه إلا أن يشتت شملهم ويقض مضاجعهم وقد وانته الفرصة عندما استنجد به ( بنو بو لاسار ) ليلحق به ويمد إليه النجدة في حران فخف إليه على عجل وانضم إليه الجيش البابلي فاستطاع وبمهارته الفائقة وخططه الحربية السديدة الإستيلاء على حران آخر حصون الآشوريين وبذلك تحققت آماله ثم قفل راجعاً إلى بلاده مكللاً بأكاليل النصر والغار.
أخذ الحلفاء بعد ذلك في تقسيم الغنائم والأسلاب وتوزيع الميراث بينهم ( المستعمرة الآشورية في آسيا الصغرى أضحت من نصيب الدولة الميدية وكان خط الحدود بين ميديا وبابل ممتداً على طول نهر دجلة من الجنوب حتى مدينة ديار بكر \\آمد\\ كما أن خطاً آخر كان يفصل بينهما ممتداً من ديار بكر حتى نهر الفرات ) .
لكن القدر أبى إلا أن يمضي كياكسار كل عهده في ميادين القتال وبين صليل السيوف , إذ ما كان يخرج من حرب إلا ليخوض غمار حرب أخرى وكانت الحروب التالية بينه وبين الليديين التي تباينت الروايات في أستقصاء أسبابها وعوامل أشتعال لهيبها فتقول إحدى الروايات أن بعض المجرمين من ( السيت ) قد لجؤا إلى الحكومة الليدية واعتصموا بحماها ولما طالبت الحكومة الميدية بردهم إليها لم يستجب الليديين لهم إذ رفضت الحكومة الليدية تسليمهم لها فكانت هذه هي الشرارة التي أوقدت نيران الحرب بين الحكومتين , بينما نجد رواية أخرى تعزوا أسباب الحرب إلى أن الحكومة الليدية وقد تملكها الطمع في المستعمرات الآشورية التي كانت من نصيب الحكومة الميدية بعد الإستيلاء على نينوى مما أدى إلى اندلاع نيران الحرب بين الدوالتين , حيث التحم الجيشان على شاطىء نهر (هالياس ) ودارت رحى معركة حامية الوطيس وطويلة المدى في مطلع عام (591) قبل الميلاد ولم تقف رحاها إلا يوم (28 مايو من عام 585) ق م بمعجزة , فقد حدث خسوف كلي للشمس طيلة هذا اليوم فأيقن الطرفين ان هذه الظاهرة العجيبة ان هي إلا علامة من علامات الغضب الإلهي عليهم ,فرغب كل منهما بينه وبين نفسه في وضع حد لسفك الدماء دون طائل , وما ان عرض نبوخذ نصر ملك بابل وسينسيس ملك كليكيا وساطتهما لإنهاء القتال وعقد الصلح حتى قبل الطرفان بارتياح وتوقفت العمليات الحربية واتفقا على أن يكون نهر هالياس حداً فاصلاً بينهما , ثم عزز هذا الصلح وتوج بمصاهرة ملكية بين الأسرتين المالكتين فتزوج استياك نجل كياكسار من آريانيا كريمة ملك ليديا سنة (585)ق م .
3- مرحلة السقوط:
لم يعمر كيا كسار طويلا بعد أيام الصلح مع مملكة ليديا بل عاجلته ألمنيه بعد هذا الصلح بقترة قصيرة, فخلفه على العرش ابنه استياك الذي عزف وأحجم طوال عهده الذي استمر (35)عاما عن الاشتباك و الحروب مما أدى الى ظهور دولة الفرس وعلو شأنهم وتحفزهم للاستقلال وأحس رجالات ميديا بقوة فارس (وهي ولاية ميدية) تزداد شأنا يوما بعد يوم .
كان يحكم فارس وقتذاك أمراء أسرة اخميني الذين انتهزوا فرصة إخلاء الملك الى الراحة وبذلوا جهودا جبارة للتخلص من سيطرة الميديين , وشرعوا في تكوين جبهة قوية ممتدة للوقوف بها في وجه ميديا وقد نجحوا في ضم أقوام آخرين الى جانبهم من الشعوب الخاضعة لميديا التي شنت عليها عصا الطاعة وأعلنت العصيان.
وكان بطل هذه المؤامرة التي أثارت هذه الشعوب على ميديا كورش الثاني (الكبير) حيث كان من ضباط الملك الميدي استياك الا أنه خان قائده وحمل لواء الحرب ضد الامبراطوريه الميدية , فزحف على رأس جيش جرار حيث التقى بجيش استياك واشتبكا في معركة حامية الوطيس ,دافع فيها استياك دفاع المستميت وأبلى فيها بلاء حسنا يحدوه الأمل في المحافظه على عرشه وعلى شرف أسرته , واستمرت المعركة سجالا بين الفريقين وكان النصر يتأرجح بين الكفين, الا أن كبار القادة والعاملين في الجيش الإمبراطوري (لاستياك ) وقفوا ضده لأنه لم يكن بإمكانهم الحصول على الأموال عن طريق السلب والنهب , كما لعبت الخيانة دورها على يد زعيم أحد البيوتات الميدية الكبيرة وكان يدعى (هارباك) الذي قرر مصير الحرب بعد أن باع شرفه وأجرم في حق وطنه فتقدم الى العدو طائعا مختارا, حيث انضم ومن معه من الجنود الى كورش عدو وطنه اللدود , وبانضمامه الى جانب العدو وجه طعنة الى صدر استياك وجيشه حيث ضعفت روح الجيش المعنوية وأخذت تنتابه الهزائم المتلاحقة التي لم يستطع الصمود أمامها.
هذا كله أدى الى اندلاع نيران ثورة جامحة في ميديا تمخضت عنها خلع استياك عن العرش سنة (550) قبل الميلاد.
أمر كورش بتعذيب ابنة استياك وزوجها( اسبيتام) وولديهما الى أن سلم استياك نفسه كي يكف كورش عن تعذيب أهله ورجاله , الا أن كورش أمر بقتل اسبيتام (صهر استياك وولي عهده) ومن ثم تزوج من زوجته .
وهكذا كسب كورش المعركة وأحسن معاملة هارباك الذي حسم المعركة لصالح أعداء وطنه من الفرس (الاخمينيين) وانتهت الإمبراطورية الميدية وقضي عليها بالزوال بعد أن حكمت قرابة(150) عاما حيث قامت على أنقاضها حكومة الا خمينيين الفارسية.
كانت هنا ك بعض المحاولات لإعادة شرف الإمبراطورية الميدية والأسرة الحاكمة من قبل بعض الغيورين ومنهم (فرورتيش) الذي قاد ثورة ضد الفرس الاخمينيين بعد سقوط ميديا الا أن (داريوش الفارسي) قبض عليه وقام بقطع أنفه وأذنه ولسانه وفقأ عينيه بعد ذلك كله قاموا بقتله رميا بالسهام في العاصمة الميدية(أكباتانا) , ومن الذين أعلنوا الثورة أيضا (جيتران) الذي أعلن نفسه ملكا على ميديا بعد سقوطها ,لكن ثورته أيضا أخمدت حيث قبض عليه في أربيل (هولير) وتم وضعه تحت وابل من السهام ومن ثم قتله.
كان فرورتيش و جيتران من نبلاء عائلة كيا كسار المالكة.
وهكذا تلا شت الآمال في إعادة ما يمكن إعادته وبالتالي النيل من الذين تسببوا في سقوط الامبراطوريه.
مراجع المراحل الثلاث :
1- خلا صة تاريخ الكرد وكردستان - محمد أمين زكي – ترجمة : محمد علي عوني 1945 .
2- ميديا - ا.م. ديا كونوف - ترجمة : د. وهببه شوكت - رام للطباعة.
3- تاريخ كردستان – جكر خوين – ترجمة : خالص مسور.